القمّة الدوليّة للفلسفة “العيش المشترك والحوار بين الشّعوب”
مجموعة الدّول السّبع 2024
بارليتا، إيطاليا 24-23 مايو، 2024
بيانٌ حول الفلسفة والبينيّة الثّقافيّة:
في عالمٍ مليء بالعديد من التحدّيات المتسارعة وتزايد فرص النموّ، تبرز الحاجة مُلِحّةً إلى رؤى واستجابات فلسفيّة جادّة. إنّ تزايد الفقر، وانعدام الأمن، وتناقص الحرّيّات، وانتشار الصراعات، يتطلّب منّا أن نبحث عن أنماط جديدة من العيش المشترك.
الفلسفة:
توفِّر الفلسفة مواردَ فريدة في عالم يتّجه إلى العولمة بسرعة. فهي تدرس الفرضيّات والمبادئ الأساسيّة لممارساتنا ونظريّاتنا المختلفة، وقد ازدهرت وتطورت، دائمًا، بالحوار – أو بالأحرى بالحوار المتعدّد الأطراف – بين وجهات نظر مختلفة. ومن ثمّ، فهي في وضع فريد يُتيحُ لها أن تُشجّع التفكير من زوايا مختلفة وحول رؤى مختلفة.
أَفْضَتِ الفلسفة، في بعض الأحيان، إلى ترسيخ قناعات قويّة وإيديولوجيّات مُتَزَمِّتة. كما فشل الفلاسفة أحيانًا في التعرُّف على التنوّع والاختلافات بين اللّغات والتقاليد. ورغم ذلك، فإنّ الفلسفةَ، بوصفها فرعًا من فروع المعرفة التأمّليّة، قادرةٌ على تحديد الفرضيّات والافتراضات المسَبَّقة، والتعامل مع القضايا الّتي تهمّ النّاس والشّعوب خارج نطاق الأكاديميا. وقد انتقلت نصوصها وتقاليدها من ثقافة إلى أخرى، ومن لغة إلى أخرى، وهي تدرك الحاجة إلى الدراسة والتعلّم باللّغات الأصليّة لمؤلّفيها.
يُشَجِّع التفكيرُ الفلسفيُّ على المشاركة المدنيّة والديمقراطيّة، ويُساعد في تطوير المعرفة والمهارات اللازمة للاستماع والتعبير والتواصل بشكل فعّال. وقد لعب التبادل الفكريّ والثقافيّ الّذي يميّز الفلسفة ولم يزل يلعب (ويستمرّ) دورًا مهمًّا في تعزيز حوار الحضارات والعيش المشترك.
حال الفلسفة اليوم:
لعبت الفلسفة دورًا رئيسيًا في الأكاديميا في جميع أنحاء العالم، على الرّغم من أنّ هذا الدّور تطوّر بطرقٍ مُتنوِّعة على مرّ القرون. ولكنّ الفلسفة الأكاديميّة في أوروبا والعالم الناطق باللّغة الإنجليزيّة أصبحت أكثر تعبيرًا عن المركزيّة الأوروبيّة، وقد تمّ استنساخ هذا الأمر جزئيًّا في أماكن أخرى من العالم نتيجة التوسُّع الأوروبيّ، والاستعمار، والعولمة.
وقد بدأت الجامعات تنتبه تدريجيًّا إلى [حقيقة] هذا الأمر، مدركة الحاجة إلى توسيع نطاق البرامج الفلسفيّة وتنويع مناهجها الدراسيّة، ولكنّها تصطدم على الدّوام بالعديد من العقبات الثقافيّة والهيكليّة والمؤسّساتيّة الكبيرة التي تحول دون التغلب على هذه المشاكل، وهي عقبات ناجمة عن الاختلالات وعدم التماثل في الأنظمة الجامعيّة، فضلًا عن الاختلالات الأوسع نطاقًا المتمثّلة في القيود الاجتماعيّة والسيّاسيّة والاقتصاديّة والإيديولوجيّة.
وتلعب الجامعات دورًا قويًّا في تحديد البرامج والمناهج الدراسيّة وفي وضع جداول الأعمال التربويّة والبحثيّة. وتقوم الجامعات بهذا الأمر استجابة للاحتياجات الاجتماعيّة أو السيّاسيّة، والقيود الماليّة، والاتجاهات الثّقافيّة. ويترتّب على ذلك حتمًا إدراج بعض المواضيع والشّخصيّات والسّرديّات والمقاربات على حساب بعضها الآخر. وهذا يؤدّي إلى تهميش إسهامات النّساء أو الإسهامات القادمة من مناطق معيّنة، على سبيل المثال. وغالبًا ما تكون أعمال الفيلسوفات والفلسفات النّسويّة غائبة، حتى يومنا هذا، عن المناهج الدّراسيّة. كما إنّ المرأة غير ممثَّلة تمثيلًا مناسبًا في العديد من أقسام الفلسفة، بالإضافة إلى أنّ الهوّيّات الإثنيّة غائبة بشكلٍ ملحوظ في الميدان الأكاديميّ، ومن ثمّ يخسر التفكير الفلسفيّ قضايا ووجهات نظر مهمّة كان يمكن أن تُكَوِّن رافدًا نوعيًّا له.
وتتفاقم هذه الخسارة بسبب الهيمنة المتزايدة للّغة الإنجليزية بوصفها اللّغة الأكاديميّة العالميّة. وقد أدى هذا الأمر إلى التقليل من قيمة التفكير الفلسفيّ في اللّغات الأخرى، مما أفضى إلى تضييق آفاق الخطاب في الموارد المفاهيميّة والمحتوى والأساليب ووجهات النظر. إنّ أخذَ التنوُّع اللّغويّ على محمل الجدّ أمرٌ حيويّ من أجل تحقيق حوار فلسفيّ حقيقيّ بين الحضارات.
مقاربات البينيّة الثقافيّة:
يواجه عالمنا اليوم تحدّيات بيئيّة واجتماعيّة وسيّاسيّة وتقنيّة كبيرة تهدِّد مستقبل أشكال الحياة كلّها. وتتطلّب هذه التحدّيات بذل جهود منسّقة من كلّ البلدان والمجتمعات للاستجابة بفعاليّة والاشتراك في حوار بَنّاء، على أساس الفهم الحقيقيّ لوجهات نظر الأطراف الأخرى.
إنّ تطويرَ توجُّهٍ نشيطٍ مُتَعدِّد الثقافات في إطار التفكير الفلسفيّ، وفي العلوم الإنسانيّة بشكل عامّ، من شأنه أن يُمَكِّننا من التعامل مع مشاكل الإقصاء وغياب التنوّع. [وفي هذا الإطار]، فإنّ إحدى أكثر المهارات الفلسفيّة الأساسيّة نجاعةً هي القدرة على التفكير من وجهة نظر الآخرين. وهذا الأمر يشتمل على فهم الأفكار والمشاكل واستنطاقها بشكل نقديّ من وجهات نظر مختلفة. وكلّما أمكن فعل ذلك، أمكن تقليل الخوف من الاختلاف. وهذه القدرة على التفكير من وجهة نظر الآخرين أمرٌ لا غنى عنه لا سيّما في تطوير المواقف الديمقراطيّة الّتي تُوفِّر الأساس لمجتمعٍ تعدّديّ.
دعوةٌ إلى عيشٍ مشترك حقيقيّ:
يبحث مصطلح “العيش المشترك” – انسجامًا مع أصل نشوئه اللّغويّ – عن أنماط من العمل المشترك العابرِ الاختلافات، والمعتمِد على تبنّي التنوّع والتعدُّد الثّقافيّ، ويتردّد صداه في العديد من التقاليد الفلسفيّة فهو يتبنّى التعايش، على الصعيد العالميّ، بين طرائق تفكير مختلفة، وفي بعض الأحيان، متعارضة جذريًّا، وأنماطٍ عديدة من أنماط التماهي مع العالم. إنّ كيفيّة الجمع بين هذه الأمور وفتح طرق محترمة للبحث عن فهم بعضنا لبعض أمرٌ بالغ الأهميّة.
تعرّض مفهوم العيش المشترك، في بعض الأحيان، للنّقد لأنه لا يولي اهتمامًا كافيًا للخلاف والاختلاف. ومع ذلك، فإنّ اقتراحنا يتمثّل في تجاوز هذا النّقد من خلال حشد انغماس الفلسفة في الجدال، والعمل من خلال وجهات نظر مختلفة وعبرها من أجل تطوير حقيقيّ لمفهوم العيش المشترك. ونعني بهذا شكلاً جديدًا من التفكير الفلسفيّ الّذي يؤكّد بشكلٍ جذريّ البينيّة الّتي تضع المشاركة العميقة مع أفكار الآخرين في جوهر رؤيته. ومن خلال تشجيع الحوار الواسع عبر الحدود القائمة ــ والاحتفاء بإنشاء فضاءات اتصال فكرية جديدة ــ يغدو بمقدورنا أن نُطَوِّر مفاهيم جديدة، وأن نُحيي المفاهيم القديمة وأن نُوَظِّفها مُجَدّدًا من أجل العيش السّلميّ والمستدام معًا.
خطّة عمل:
تمّ اقتراح نقاط العمل الآتية لتعزيز العيش المشترك، وقيمة الفلسفة وممارستها، ومقاربات البينيّة الثقافيّة:
1- التعبير عن التزامٍ قويّ بتوسيع نطاق التعليم الفلسفيّ والإنسانيّ، وبخاصّة بين الأجيال الشابّة عبر مستويات مختلفة من التعليم، مع التركيز على الاستمراريّة بين التعليم الثانويّ والتعليم العالي، وعلى توسيع نطاق وجود الفلسفة في الحياة العامّة.
وتتمثل فائدة هذا الإجراء في أنّ الفلسفة والعلوم الإنسانيّة تسهم بطريقة فريدة وهامّة في (أ) النموّ الشّخصيّ والتماسك الاجتماعيّ؛ (ب) التواصل والعيش المشترك بين الثّقافات؛ (ج) المرونة في التكيّف والرّفاهية؛ (د) الاستخدام الهادف للتكنولوجيا الرّقميّة والذّكاء الاصطناعيّ، ورؤية الفلسفة حدودَهما وإمكانياتهما؛ (هـ) تعزيز السّلام، وتنمية المواطنة النّشطة، وديمومة الديمقراطيّة.
2- التأكد من أنّ الحدود لا تعوق العيش المشترك والحوار بين الثقافات والتبادل الأكاديميّ. ويجب الاعتراف بالجامعات والمؤسّسات الأكاديميّة بوصفها أماكن للجوء، ودعمها بالموارد الكافية.
والفلسفة، بوصفها مجالًا يهتمّ بالمسائل الأساسيّة للإنسانيّة، تتمّ دراستها وممارستها عبر الحدود، وقد تمّ إثراؤها عبر تاريخها من خلال التبادل بين الثقافات. وتُعَدّ القيود المفروضة على تأشيرات الدّخول عائقًا أمام كلّ ذلك. ولهذا يجب مقاومة المنطق المتنامي الذي يحوّل الحدود إلى بؤر للإقصاء والعنف والتجريد من الإنسانية وإدانته.
3- اتخاذ الإجراءات اللّازمة لاحترام الحرّيّة الأكاديميّة وحمايتها، والقضاء على الرّقابة والترهيب والاضطهاد، وتعزيز النموّ الأكاديميّ والتنقّل والتبادل وتسهيلهم.
4- معالجة العيوب الهيكليّة والمادّيّة لتسهيل المشاركة في المجتمع الأكاديميّ العالميّ.
5- تعزيز شبكات الفلاسفة الأكاديميّة من خلال العمل متعدِّد المستويات، بما في ذلك: (أ). دعم المؤسّسات الفلسفيّة القائمة في الجامعات والهيئات البحثيّة؛ (ب) تعزيز الحوار الفلسفيّ عبر مناطق مختلفة من العالم؛ (ج). زيادة نطاق تبادل الطلاب والباحثين وتوسيعه، مع إيلاء اهتمام خاصّ للتنقل في ما بين بلدان الجنوب – الجنوب، والشّرق -الغرب، والشّمال – الجنوب؛ (د). الحفاظ على نشر البحوث الفلسفيّة وإيصالها من خلال المبادرات العلميّة وغيرها من مبادرات التوعية؛ (ه). التحضير لعقد اجتماعات فلسفيّة مُنتظمة رفيعة المستوى، بما في ذلك في سياق مجموعة الدّول السّبع وفي ما يتعلّق بمؤتمر الفلسفة العالميّ.
بارليتا، 24 مايو 2024
- موريس أيمارد
- كلّيّة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة، مؤسسة دار العلوم للإنسان
- مايكل بيني
- جامعة أبردين
- مارينزا بينيديتو
- جامعة ألدو مورو في باريس
- ماريو دي كارو
- جامعة روما تري
- جان بول دي لوكا
- جامعة إيل تا مالطا
- فيليب دورستويتز
- الجامعة الأمريكيّة في رأس الخيمة
- بيت الفلسفة في الفجيرة
- رولف إلبرفيلد
- جامعة هيلدسهايم
- فابريزيا جولياني
- جامعة سابينزا في روما
- أنكي جرانيس
- جامعة هيلدسهايم
- شارون ماكدونالد
- جامعة هومبولت في برلين
- ميخائيل ميناكوف
- معهد كينان / مركز ويلسون
- باولو بونزيو
- جامعة ألدو مورو في باريس
- أحمد السماحي
- بيت الفلسفة في الفجيرة
- لوكا ماريا سكارانتينو
- جامعة ألدو مورو في باريس
- رئيس مؤتمر الفلسفة العالميّ الخامس والعشرين
- ايميديو سبينيلي
- جامعة سابينزا في روما
- ويليام سويت
- جامعة القديس فرانسيس كزافييه
- بريان فان نوردن
- كلية فاسار