مفهوم الفرد في الثقافة العربية

يلاحظ المتأمّل للحالة الثقافية في القرن العشرين أنّ الصراع بين ثقافتين أو طبقتين من المثقّفين قد وصل حدّ التنافر والشقاق. غاب العمق الثقافي بينهما، وباتت غايتهما السيطرة على الساحة الفكرية. الطبقة الأولى طبقة المفكّرين المتأثّرين بالثقافة الغربية، والثانية طبقة أصحاب الدعوة للعودة للماضي والتمسّك بالتراث القديم. وبالرغم من ادّعاء كلتا الطبقتين بأنّ مرادهما صلاح المجتمع ونهضته، والبحث عن أفضل سبل هذه النهضة، إلا أنّهما قد أهملا دور الفرد في هذه النهضة، واتّجها للبحث عن نُظُم يطالبان بتطبيقها على النظام الاجتماعي. غابت عنهما دراسة الفرد العربي وواقعه ومتطلّباته ودراسة رغباته. تسعى الطبقة الأولى لاسترداد ثقافة الغرب، ولا ترى بديلاً عنها، تنقلها نقلاً، وتجعلها معياراً للتحضّر بالرغم من اختلاف العصر. فإن كان الغرب يحيا عصر النهضة فالثقافة العربية تحيا العصور الوسطى بالتقسيم الحضاري الغربي لتطوّر العصور. تطالب الطبقة الثانية بالعودة إلى التراث، وتحاول تجديده، وترى فيه حلاً لمشكلات العصر، وباتت تحيا الماضي بدلاً من الحاضر. أصبح الصراع بين الطبقتين صراعاً بين ثقافتين أكثر منه بحثاً عن حلّ لمشكلات واقع الفرد العربي ومتطلّباته الثقافية والحضارية.