تنشأ المشكلةُ الفلسفيّةُ دائمًا من السّؤال. وآية ذلك أنّ السّؤال الفلسفيّ لا يُنتِج إجابة واحدة مُطلقة، بل تتنوّع الإجابات بتنوّع عقول الفلاسفة. ومن هذه المشكلات مشكلة الاغتراب الّتي صدرت بالضّرورة عن سؤال: ما العلاقة التي يقيمها الإنسان بعالمه المعيش؟ وبكلمة أدقّ، ما الإنسان المتعيِّ في علاقته بالعالم المعيش. من العامل الّذي يُنتِج بيديه إلى المفكّر الّذي يصدر عنه وعيّ بالعالم.

وإذا كان تاريخٌ الفلسفة قد تناول الاغتراب من زوايا متعدّدة، فإنّ سؤال الاغتراب في عالمنا المعيش وفي المجتمعات المتنوّعة بثقافتها وذهنيّها وحياتها وحاجاتها قد أنتجّ أشكالا جديدة من الاغتراب، من دون أن تندثر الأشكال القديمة. ما زالت زاوية نظر فيورباخ عن الاغتراب قادرة على فهم الاغتراب المعاصر، ولكن يمكن أن نقول في عصر الإيديولوجيّات إنّ الاغتراب في صنميّة فكرةٍ ما صار مَعْلَمًا من معالم الإيديولوجيّات الكلّيّة. ناهيك بأنّ العجز عن تلبية الحاجات يُلقي بالإنسان في اغترابٍ ممضّ.

ولهذا جاء محور العدد حول الاغتراب. وجريًّا على تقليد مجلّتنا، فإنّ العدد قد تضمّن بحثًا في الفلسفة المعاصرة بوصفه حوارًا مع الفينومينولوجيا الّتي ما زالت ذات أثر في فلاسفة عصرنا، فضلًا عن الحوار مع ابن خلدون ونظرته إلى التاريخ. بالإضافة إلى قراءات في الكتب المنشورة والقديمة وغيرها.